أرسل الله سبحانه وتعالى نبيه محمد داعيًا ومبشرًا ونذيرًا.
فكان من مهامه الأساسية الدعوة كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} … [الأحزاب: 45 - 46]..
فقام بها رسول الله خير قيام مبلغًا للرسالة ومؤديًا للأمانة وناصحًا للأمة ومجاهدًا في الله حق جهاده حتى لقي ربه..
بعد أن دانت الجزيرة كلها لدعوة التوحيد، وتاركًا جيلًا أبيًا من الصحابة رضوان الله عليهم الذين ساروا على ما تلقوه عنه وما حادوا عنه قيد أنملة.
فبذلوا قصارى جهدهم جماعات وفرادى لنقل نور الإسلام الذي نعموا به إلى جميع الناس خارج الجزيرة العربية.
نقلوه في رحلاتهم مخاطرين بأرواحهم في البراري والقفار، ولفظ العديد من الصحابة البارزين أنفاسهم الأخيرة في بلاد بعيدة غريبة وهم ينشرون الإسلام.
إنهم بلا شك ضحوا وقدموا الكثير من أجل دينهم وأداءً للأمانة التي حملوها بدون هوادة ولا حدود.
وسار على ذلك التابعون لهم بإحسان، ففتحوا البلاد ودانت لهم الدول والممالك وانتشروا في الأرض ولازالت آثار القوم في معظم بقاع الدنيا شاهدة على وجودهم.
واليوم أخي المسلم يامن تنعم بما قدمه أولئك الأتقياء الأبرار وتعيش موحدًا مؤمنًا تأتيك أمم الأرض قاطبة تعمل لديك وتسمع توجيهاتك وإرشاداتك ثم تنال نصيبها مقابل جهدها وعرق جبينها من المال.
هل تدرك أن الصراع الفكري في العالم أصبح محتدمًا، ولكل جماعة مبدأ تدعو إليه، بل تتبناه وتشجعه وتنفق عليه ببذخ في سبيل ذيوعه، وتسخر له أجهزة إعلامها وتخصص له دراسات عالية المستوى؟
بالطبع أنت تدرك ذلك، وتعلم أيضًا أن الإسلام دين عالمي يخاطب البشر جميعًا، ذلك أنه هو الدين الذي جاءت به الرسل وهو الذي ارتضاه الله دينًا للبشرية.
كما قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}.. [آل عمران:19]، وقوله سبحانه: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ}.. [آل عمران:85]، وقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينا}ً.. [المائدة:3].
فلا دين غير دين الإسلام مقبول عند الله، ومعنى ذلك أن المسلم يؤمن إيمانًا قاطعًا بأن غير المسلمين على اختلاف أنماطهم وتوجهاتهم مدعوون إلى الإسلام الذي يتضمن عقيدة التوحيد التي جاء بها الرسل وناضلوا أقوامهم عليها.
ومن ناحية أخرى فالإسلام نظام كامل للحياة يحدد للشخص هدفًا واضحًا لنشاطه في جميع نواحي الحياة من اجتماعية واقتصادية وسياسية.
فهو رسالة شاملة لكل الأرض أسودهم و أبيضهم عجمهم وعربهم مما يعني أن لا استغناء للإنسان مهما كان شأنه أو مستواه الثقافي أو الاجتماعي عن الإسلام.
إضافة إلى ذلك فإن الدعوة شرف عظيم لهذه الأمة إذ تشارك في مهمة نبيها الشريفة بدعوة الناس إلى إتباع الصراط المستقيم.
وأيضًا فإن القيام بهذه الدعوة هو تحقيق للخيرية التي وصف الله بها هذه الأمة كما قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}.. [آل عمران:110].
نتيجةً لهذا تجد أن جميع أبناء الأمة الإسلامية رجالًا ونساءً مطالبون شخصيًا وبدون استثناء بنشر دعوة الإسلام بنفس الغيرة والتصميم وحب التضحية التي تخلَّق بها رسول الله وأصحابه.
كيف أدعو الناس للإسلام؟
وبعد هذا كله تسأل نفسك: كيف أدعو الناس للإسلام؟
أولًا: إنك أخي المسلم لابد أن تجعل من نفسك أسوة حسنة ومثالًا يحتذى.
ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فلقد كان قبل النبوة يسمى الصادق الأمين وبعد النبوة كان خلقه القرآن كما قالت عائشة رضي الله عنها حتى استحق ثناء خالقه ومرسله جل شأنه في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.. [القلم:4].
ولا شك أن هناك صفات ينبغي أن يتحلى بها المسلم ليكون قدوة لغير المسلمين، عندما يرونه يحسون أن الإسلام يتجسد فيه.
ومن هذه الصفات أن يُقبل المسلم على نفسه ويجعلها خاضعة لكل ما يتلقى عن الله ورسوله من الأوامر والنواهي، كما أن المسلم مطالب بأن يستسلم لله ويتجرد له ليكون أدعى للقبول.
ثانيًا: ومن العوامل الحساسة المهمة التي ينبغي على المسلم اتباعها هو الأسلوب الحسن في نطاق الكتابة والخطابة والتحدث والنقاش، وبالأسلوب يستطيع المسلم أن يصيب الهدف ويبلغ القصد بأقل التكاليف وأيسرها.
إن عرض المسلم لأفكاره ومبادئه بأسلوب شيق جذاب يحبب الآخرين إلى الإسلام فلا ينفرون أو يبتعدون.
كما أنه ينبغي مخاطبة الناس على قدر عقولهم ومداركهم، فلا يخاطب العمال الكادحين بأسلوب الفلاسفة أصحاب المنطق ولا يناقش الملاحدة الماديين بلسان عاطفي خال من الحجة والبرهان.
والنفوس جبلت على حب من أحسن إليها بل وقد تدفعها القسوة والشدة أحيانًا إلى المكابرة والإصرار والنفور فتأخذها العزة بالإثم. وليس معنى اللين المداهنة والرياء والنفاق.
وإنما اللين ببذل النصح وإسداء المعروف بأسلوب دمث مؤثر يفتح القلوب ويشرح الصدر كما قال تعالى موصياُ نبيه موسى وهارون عليهما السلام: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى. فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}... [طه:44،43].
ثالثًا: معرفة الشخص المدعو والتعرف على أفكاره ومفاهيمه وتصوراته وعلله ومشكلاته لأن ذلك وسيلة إلى التعرف على المنافذ التي تنفذ إلى نفسيته.
إن المسلم في الحقيقة هو مشخص للمرض ومقدم للعلاج لمن يحتاج إليه، كما أنه لا ينتظر أن يأتي إليه الناس بل إنه يسعى إلى البحث عنهم وزيارتهم بين وقت وآخر وفي فترات مناسبة لهم بل ودعوتهم في مختلف المناسبات والمشاركة في أفراحهم و أتراحهم.
رابعًا: والمسلم في دعوته الناس دائمًا يؤكد على معاني العقيدة الإسلامية ويحاول أن يزرع بذرة الإيمان بالله في قلب المخاطب، وأنه هو الخالق الرازق المحيي المميت.
وأن هناك حياة بعد الموت، وأن هناك حسابًا وعقابًا يثاب فيه المحسن مقابل إحسانه ويعاقب فيه المذنب على إساءته.
فالحديث عن العقيدة الإسلامية وتجلية معانيها وأصولها وما تستلزمه وتتضمنه هو الأساس في دعوة الداعي.
وهى مما يجب أن يؤكد عليه دائمًا ولا يغفل عنه مطلقًا لأنها الأصل في الإسلام فإذا استقام له هذا الأصل واستجاب له المدعوون بعد كفرهم سهل عليه إقناعهم بمعاني الإسلام وفروعه.
كما إنه عند الحديث عن واقع المسلمين وممارستهم يحاول المسلم أن يوضح أن ما يصيب المسلمين اليوم من تقهقر وتخلف وما هم فيه من تفكك إنما هو بسبب بعدهم عن الإسلام.
وإن إدراك المدعو إلى الإسلام لأصول العقيدة الإسلامية ومعرفته شروط لا إله إلا الله يسهل أمر تعليمه وتدريسه بقية أصول الإسلام وأركانه بل ويساعد على تحفيظه القرآن الكريم.
خامسًا:
إن المسلم مأمور بالصبر على الدعوة فهو لا يستعجل نتائج دعوته عندما يدعو الناس إلى الإسلام، كما أن اليأس لا يعرف إلى قلب المسلم سبيلًا.
ولا يمكن أن يصيبه الوهن إذا تأخر ظهور النتائج المرجوة من الجهود التي بذلها في سبيل دعوة الآخرين إلى الإسلام.
ومن الصبر على الدعوة أن يقوم بواجب النصيحة في المواقع التي تجب فيها النصيحة وتنفع فيها الكلمة الحقة دون خوف من الناس مصداقًا لقوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}... [الكهف:29].
سادسًا:
إن المسلم مأمور بالتضحية في سبيل الله، التضحية بالوقت.. التضحية بالجهد.. التضحية بالكفاءة الفكرية والمكانة الاجتماعية والتضحية بالمستقبل اللامع والتضحية بالأماني والآمال.
يقتدي في ذلك بسلف الأمة الذين ضربوا أروع أمثلة التضحية في كل ما قاموا به في سبيل الدعوة.
فما أحرى الأحفاد أن يسلكوا سبيل الأجداد السابقين، إنه لن تقوم للمسلمين قائمة ما لم يتصفوا بهذه الصفة الكريمة - التضحية - ذلك أنهم في حالة فقدانها فإن هذا يعني التسابق على الدنيا والتعلق بالأمور السافلة.
ذلك أن التضحية بمعناها الحقيقي هو أن يرسم في ذهن المسلم مفهوم تقديم مصلحة الإسلام على كل مصلحة والعيش بالإسلام تحت أية ظروف.
لا تلهيه تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة والجهاد في سبيل الله.
إن قلوب المسلمين لا ينقصها التحمس للدين والفضيلة كما لا يروقها ما ترى من عمليات الهدم والتضليل التي يتعرض لها الإسلام.
وكذا فهم حريصون كل الحرص على الإسلام ولكنهم يحتاجون إلى من يشرح لهم الدليل ويوضح السبيل.
فما أحراك أخي المسلم أن تكون القائد الذي يريهم السبيل ويبين لهم الدليل فتكون بذلك قد ساهمت في مواجهة المخاطر التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون في أنحاء الأرض.
وتكون قد دفعت عن المسلمين شرًا كبيرًا وفتحت لهم بابًا واسعًا بدعوة من يأتيك إلى الإسلام.
إنه - بالتأكيد وبإذن الله - بالمساهمات البسيطة الجادة تبلغ الأمة أملها المنشود في العزة والسؤدد والحضارة والمجد وتنال الأجر العظيم من الله في يوم أنت أحوج ما تكون فيه إلى العون.
المصدر: موقع إسلام ويب